من شعرية المعيار الى شعرية التجاوز- قراءة في حفريات الشعرية العربية القديمة

Abstract

إن الحديث عن ا لإبداع عند العرب يكاد ينحصر جله في جنس الإبداع الشعري، ذلك أن الشعر عندهم تعبير عن حياتهم و ثقافتهم، فكان حريا بالعربي العناية به، ففضيلة الشعر أضحت علامة على العرب دون غيرهم. وفي خضم هذا الاهتمام والعناية، توصل النقد بعد محولات عدة لتطويقه، ورسم مساره وتوجهه، إلى حصره في بنود عمود الشعر، التي تشكلت عبر أزمنة متعاقبة في الذهنية العربية القديمة، وزاد من ضرورتها ما شهده الشعر من تجاوزات وتمرد على الأنساق المألوفة القديمة، وبناء على ذلك انبثقت موجة نقدية تتعصب للنموذج القديم وتدافع عنه، وتدعو إلى ضرورة الالتزام به ما جعلها في الوقت ذاته ترفض الكثير من الشعريات الجديدة، وتسعى إلى تهميشها بدعوى أنها مخالفة للأعراف الشعرية القديمة، وبأنها دخيلة على الثقافة العربية. إن نظرة عجلى كانت أو فاحصة لموروثنا النقدي تكشف لنا عن وجود شعريتين ظهرتا كقطبين متنافرين في ساحة ا لإبداع الشعري عند العرب، أولهما شعرية مقلدة اتباعية تبيي الثبات، وتجعل من النموذج القديم رماا مقدسا للهوية العربية، وتلام الشاعر اللاحق بانتهاجه والسير على منوالها، وشعرية ثانية متمردة على الثوابت المسطرة، وهي مخالفة للقواعد المعيارية الموضوعة، والتي تعيق مسار الإبداع وحداثته الشعرية المتماشية مع روح العصر. إن الشعرية العربية القديمة بصفة عامة والشعرية في العصر العباس ي بصفة خاصة هي في الأصل بحث في تطور الأنساق الثقافية والفكرية التي غات تجربة الإبداع عند الشاعر العربي آنذاك، فالإبداع يرفض التقليد والمحاكاة. فكان الدافع وراء جعل الشعر يجنح إلى طرق تعبير جديدة تبرز التحولات الحساسة التي طرأت على الشعرية العربية، ومست جميع مستوياتها اللغوية لفظا ومعنى، ومستويات التركيب بلاغة وأسلوبا، ومستويات القصد أغراضا وموضوعات.